حريق المسجد الأقصى المبارك والذكرى ال 47
كان من المفروض أن تشكل جريمة إشعال حريق في المسجد الأقصى المبارك في العام 1969 حالة فلسطينية، عربية وإسلامية لبلورة مفهوم مشترك لقضية المسجد الأقصى المبارك والقدس والشريف والمخاطر التي تتهددهما.
وكان من المفروض – في العام 1969 – أن يبدأ العرب والمسلمون في بناء استراتيجية واضحة لمواجهة النار التي بدأت تشتعل في المسجد الأقصى المبارك، في ذلك الحين، وإخمادها وهي في مهدها.
وكان من المفروض أن يفهم العرب – وخاصة الأنظمة الرسمية – مركزية المسجد الأقصى المبارك في السياسة الدولية، وخاصة سياسة الويلات المتحدة الأمريكية، بدلاً من التعويل على سياسات فاشلة أوصلت القدس والمسجد الأقصى المبارك إلى حالة من الاشتعال المستمر والانتهاك المتواصل لحقوق المسلمين، وخاصة الفلسطينيين منهم، لا لسبب إلا لأنهم هم الذين ما زالوا يذكرون العالم أن القدس والمسجد الأقصى المبارك ما زالا يقبعان تحت الاحتلال الإسرائيلي.
لم يكن المجرم مايكل دينيس روهان، الاسترالي الجنسية، الذي أقدم على حرق المسجد الأقصى المبارك، يعمل لوحده، ولو لم يتلق الدعم اللوجستي من قوات الاحتلال أو من عناصره المختلفة لما استطاع أن ينفذ هذه الجريمة. قوات الاحتلال في ذلك الحين ماطلت في توفير خدمات الإطفائية لإخماد الحريق، وأعطت المجرم التغطية القانونية الكاملة لضمان تهربه من العقاب كما قامت بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في نفس يوم الحريق، وتعمَّدت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس العبرية التأخير؛ حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق، في المقابل عمت المظاهرات العالم العربي على هذه الجريمة، غطت الأنظمة العربية في سبات عميق بل حاولت أن تحجب الرؤية عن الشارع العربي عن هذه الجريمة، وهب المقدسيون بصدورهم العارية وقدراتهم الذاتية وأقاموا سلسله بشرية لنقل المياه لإخماد النيران، وفعلا استطاعوا وقف الحريق. ولولا لطف الله سبحانه وتعالى لأتت النيران على كامل المسجد القبلي.
كان ذلك امتحان لقدرة المقدسيين والعرب على مواجهة سياسات الاحتلال في المسجد الأقصى المبارك، واشتعلت مع النيران جذوة المسجد الأقصى في قلوب المقدسيين، وبدأت تتبلور معالم المرحلة المقبلة.
لم يتوان الاحتلال، في كل فترة احتلاله للقدس والمسجد الأقصى المبارك، في جس نبض الشارع العربي والإسلامي والفلسطيني من قضية القدس والمسجد الأقصى، وكانت سياساته تتسم بالمنهجية في لفت أنظار الشارع الفلسطيني، العربي والإسلامي عن المسجد الأقصى المبارك، وقد ساهمت الأنظمة الرسمية في ذلك من خلال تنفيذ سياسات التغريب عن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، والأمثلة على ذلك كثيرة.
للتذكير فقط، كان من تداعيات هذه الجريمة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية، وبما أنه مرَ على إنشاء هذه المنظمة أيضا 47 عاما، كان من المفروض أن نرى نتائج هذه المنظمة في الفعل على أرض الواقع في حماية القدس والمسجد الأقصى، في ظل هذا الواقع الذي وصل إليه المسجد الأقصى وبعد 47 عاما يحق لنا نسأل ما الذي أنجز؟ وكيف تقدم المشروع الصهيوني في حين تراجع دور المنظمة في حماية القدس والمسجد الأقصى؟.
الأنظمة الرسمية العربية منها والإسلامية كانت تتصرف، في أحسن الحالات، كمؤسسات خيرية أكثر منه عمل منظم لإنهاء الاحتلال أو حماية المسجد الأقصى من التهويد، بل وذهب بعض الأنظمة إلى أبعد من ذلك، إلى ملاحقة ومحاكمة العاملين لقضية القدس والمسجد الأقصى؟
ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى المبارك هو تنفيذ لأجندته الواضحة والمكشوفة كونه قوة احتلال يحمل مشروع أيديولوجي يلتقي مع مشروع أيديولوجي آخر على المسجد الأقصى يتعلقان بمفهومهما لأحداث آخر الزمان، ويعمل الاحتلال ضمن هذه الأجندة. أما ما يفطر القلب ويدمي العين السلوك العربي الهزيل الذي يبعث على الخذلان والركون إلى الوعود العرقوبية سواءً للاحتلال الإسرائيلي أو للنظام الصهيوني العالمي. نعلم إلى أين يريد أن يصل الاحتلال بالقدس وبالمسجد الأقصى المبارك، وهو بالمناسبة أصبح يصرح بذلك على الملأ ولم يعد شيئاً بحاجة إلى توضيح، إنما الذين ما زالوا يحلمون أن يمن عليهم المشروع الصهيوني العالمي بدور – أيا كان – في الأقصى المبارك هم الذين يجب عليهم أن يستيقظوا قبل فوات الأوان، نعم إن الظرف الإقليمي صعب، وصعب جداً، ولكن هل يعقل أن تتم المقايضة بقضية المسجد الأقصى المبارك بحجة الظرف الإقليمي أو بحجة الحماية؟.
نعلم في المقابل أن عاطفة الشارع العربي والإسلامي للقدس هي عاطفة متدفقة وقوية. ولكن؛ لماذا لا يتم استثمار هذه العاطفة نحو المسجد الأقصى المبارك؟ وأكثر من ذلك؛ لماذا يتم كبت هذا العاطفة؟ ولمصلحة من؟ ثم يحق لنا أيضاً أن نتساءل، من المسؤول عن تحييد الإرادة الشعبية الفلسطينية، العربية والإسلامية الداعمة والتواقَة للمسجد الأقصى المبارك؟.
المسجد الأقصى المبارك موجود الآن في عين العاصفة، تحت الخطر الشديد، ولا يخفى على أحد ما يتعرض له، خصوصاً في هذه الأيام، من فرض لواقع جديد وتعميق للتهويد، وفرض رواية مزيفة على الرأي العام العالمي، العربي والإسلامي، ولا يخفى على أحد ما يطمح إليه الاحتلال، كل ذلك تحت سمع العالم وبصره وبالبث الحي والمباشر.
إذا؛ أين الفعل الفلسطيني؟ أين الفعل العربي؟ أين الفعل الإسلامي؟
* محامي متخصص في شؤون القدس والمسجد الأقصى المبارك
خالد زبارقة
جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام