ثــــــورة البــــراق 1929م

ثــــــورة البــــراق 1929م




كان الخلاف حول حائط البراق الشرارة التي أشعلت ثورة عام 1928م وحائط المبكى هو الحائط الغربي للحرم الشريف الذي يضم قبة الصخرة التي عرج منها رسول الله محمد صلى الله وعليه وسلم إلى السماء ، وبداخل الحائط غرفة يعتقد أنها المكان الذي ربط فيه البراق فــرس النبــي ليلة الإسراء ، ومن ثم سمي الحائط بالبــراق .
وقد اعتاد اليهود زيارة ذلك الحائط لادعائهم انه يشكل جزءا من الحائط الخارجي الغربي لهيكل سليمان عليه السلام .
وفي الرابع عشر من آب 1929م تظاهرة يهودية في تل أبيب لمناسبة ذكرى تدمير هيكل سليمان وفي اليوم التالي قام جمهور من الشباب اليهودي من تل أبيب بمسيرة إلى القدس ، ومشوا في شوارعها بنظام مدبر وفوق الرؤوس علمهم الصهيوني ملفوف بالسواد ، إلى أن بلغوا البراق نشروا العلم وانشدوا النشيد الوطني اليهودي بحماسة وعلت أصواتهم بالهتاف : الحائط حائطنا ، الويل لمن يدنس أماكننا المقدسة .
اثأر هذا الحادث العرب فتظاهروا في اليوم التالي ، وكان يوم جمعة وصادف كذلك يوم ذكرى المولد النبوي الشريف ،فبعد صلاة الجمعة سار في المظاهرة الآلاف بينهم عدد من القرويين الذين قدموا للاحتفاء بالمولد النبوي ، واتجهت المظاهرة نحو حائط المبكى حيث ألقى الشيخ حسن أبو السعود احد شيوخ الحرم الشريف ، خطابا حماسيا ألهب المشاعر ، وسرعان ما حطم المتظاهرون منضدة لليهود كانت موضوعة فوق الرصيف ، كما احرقوا بعض الأوراق التي تحتوي على نصوص الصلوات اليهودية والموضوعة في ثقوب حائط المبكى ، اخذ الناس يعتقدون بأن اليهود يعتزمون شن هجوم على البراق وأخذت الأمور تسير من سيء إلى أسوء وقدرت الحكومة البريطانية أن الموقف ملتهب ينذر باضطرابات واسعة ، فاستقدمت قوات من شرق الأردن ومصر استعدادا للطوارئ (1) .
وفي السابع عشر من آب 1929م نشب قتال بين شاب عربي وشاب يهودي في القدس انتهى بإصابة 11يهوديا وعربيا بجروح مختلفة ، ولدى وصول قوة من البوليس ألقت القبض على العربي التهم ببدء أول حادث دموي ، هاجمها جمهور من اليهود ، وأصيب المعتقل العربي وكذلك واحد من أفراد البوليس البريطاني بجروح ، وكانت جروح رجل البوليس البريطاني خطيرة ، ثم قام الجمهور اليهودي بالاعتداء على منازل
وفي العشرين من آب 1929م قامت معركة عنيفة عند ممر البراق في بيت المقدس لم يتمكن البوليس من إنهائها إلا بجهد ومشقة ، ولم يجد العرب لغة يمكن أن تستعمل مع تلك القوى المتكاتفة عليهم إلا لغة الاستمرار في الثورة ، وفي نفس اليوم توفي الشاب اليهودي الجريح ، تحولت جنازته إلى مظاهرة سياسية ضد الحكومة والعرب على السواء
وفي يوم الجمعة 23آب1929م تدفق القرويون بأعداد كبيرة للحرم الشريف لأداء صلاة الجمعة وهم مسلحون بالعصي والهراوات والسيوف وبعض المسدسات ، وبعد الصلاة شن المصلون هجوما على مجموعات مسلحة من اليهود استمرت كل يوم 23آب وجرح خلالها 107من الفريقين ، وخسر اليهود 28 قتيلا واستشهد من العرب 13 شهيد وكانت المعركة تدور في شوارع القدس من ركن إلى ركن (3).
وسرت أنباء الثورة في أنحاء فلسطين ، وصلت الأخبار إلى مدينة الخليل أن اليهود احتلوا المسجد الأقصى وقتلوا عددا من المصلين واستولوا على البراق الشريف فهاجت الجماهير وهاجمت الحي اليهودي في الخليل ومدرسة يهودية واستمر الهجوم مدة يومين قتل خلال ذلك 60 يهوديا وجرح 50 ، وفي نابلس هاجم المتظاهرون الغاضبون مركز البوليس للاستيلاء على أسلحته فأطلق البوليس البريطاني النار على المتظاهرين وقتل منهم تسعة أشخاص (4).
وفي بيسان هاجم العرب بعض اليهود وأصابوا أعدادا منهم بجراح ، وفي يافا اشتبك العرب واليهود في 25و26 آب 1929م وهاجم أبناء القرى في يافا المستوطنات الصهيونية واحرقوا بعض المحلات .
ثم أطلق البوليس النار على العرب المهاجمين للأحياء اليهودية في تل أبيب ، وقام اليهود بالاعتداء على مسجد يافا الكبير وقتلوا إمام المسجد وستة من المصلين المسلمين وفي حيفا هاجم العرب اليهود في هدراها كرمل وأصيب عدد بجراح من الطرفين وفي جنين وطولكرم والناصرة وعكا وغزة قامت مظاهرات ضخمة ووقعت بعض الاشتباكات مع البوليس البريطاني وأصيب عدد بجراح (5) .
وفي 26آب 1929م هاجم اليهود مسجد عكاشة في القدس وهو من المساجد قديمة العهد واتلفوا المصاحف والأثاث والحقوا أضرار كبيرة في أضرحة الأولياء ، وفي 29آب 1929م هاجم العرب الحي اليهودي في مدينة صفد وأصابوا 45 يهوديا بين قتيل وجريح واحرقوا المحلات التجارية اليهودية ودمروا بعض المنازل اليهودية ، وذكرت الإحصاءات الرسمية البريطانية أن 133 يهوديا قتلوا وجرح 339 ، واستشهد من العرب 116 وجرح 232 وإصابة عدد من البوليس البريطاني وقد وصلت نجدات بريطانية إلى فلسطين ومنها المصفحات والطائرات وسيطرة على الموقف تماما .
وقدمت للمحاكمة 900عربي و100يهودي ، وصدر حكم الإعدام على 25عربي ويهودي واحد ، ويوم الثلاثاء في 17 حزيران 1930منفذ الحكم الإعدام شنقا على عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي في سجن عكا المركزي ، وعلى اثر إعدام هؤلاء الشهداء قامت مظاهرات احتجاجية في أنحاء فلسطين وفي مدينة جنين قام طلاب مدرسة جنين الابتدائية بمظاهرة ولأول مرة تصدى لها البوليس وألقى القبض على عدد من الطلاب (6) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)صفحات من حياة الحاج أمين الحسيني : عوني جدوع ص 50
(2)تاريخ فلسطين الحديث : د . عبد الوهاب ألكيالي ص 237
(3)جهاد شعب فلسطين :صالح مسعود أبو يصير ص 136
(4)فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 185-186
(5) فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 186
(6) فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 186