الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 - 3 -

وفي أيلول 1938م أضرم المجاهدون النار في كنيس يهودي بين يافا وتل أبيب ، وفي محلات تجارية لليهود في يافا، وأعلنت القدس غضبها فأضربت واشتركت معها يافا واللد ، وانقطعت المكالمات التليفونية بين فلسطين والخارج ، وهاجم المجاهدون مدينة بئر السبع فاقتحموا مركز البوليس ، واستولوا على سلاحه واحتلوا المدينة (1) . أطلقت النار على باص يهودي بين صفد والجاعونة فقتل من ركابه ابن كلي نغر صاحب الفندق اليهودي المشهور باسمه (2) ، اشتبك الثوار مع البريطانيين في قرية عسيرة الشمالية /نابلس واستشهد اثنين من الثوار (3) وهاجم الثوار عدة مرات المستعمرات اليهودية ومعارك كبيرة وصغيرة وكثيرة خلال هذا الشهر .
وفي تشرين الأول 1938م تصدى عدد من المجاهدين لسيارة يهودية وقتلوا من فيها واحرقوها ، ونشبت معركة في رام الله وتسع نطاقها ، وشمل عدة قرى مجاورة وقتل فيها مفتش بوليس بريطاني وجرح جنديان ، وأحصيت بين المجاهدين أربعون إصابة ، وألقيت قنبلة تحت سيارة شحن عسكرية فأصيب ضابطان وجنديان ، وأضرم المجاهدون النار في خمسة منازل يهودية في حيفا وفي مخزن يملكه احد اليهود ، كما أطلقوا النار مركز البوليس في المدينة ، وهاجموا الخط الحديدي بالقرب من حيفا واشتبكوا مع الجنود في معركة شديدة أسفرت عن وقوع أربع إصابات في المجاهدين (5) ،وفي منطقة الخليل امتد القتال بين الصفصاف والسموع وكانت تحلق فوقها سبعة طائرات مشتركة في تطويق الثوار في منطقة امتدت أكثر من خمسين كيلومترا ،

وقد خسر الانكليز عددا كبيرا من جنودهم كما استشهد تسعة من الثوار وجرح واحد (4) .
وفي تشرين الثاني 1938م نصب الثوار كمينا للسيارات اليهودية على طريق الناصرة شفا عمرو في موقع الناعمة وتمكنوا من قتل مهندس يهودي وحرق سيارته ثم وصلت القوات البريطانية بنجدة سيارات اليهودية دارت معركة بين الثوار والبريطانيين وأسفرت عن قتل وجرح عدد من البريطانيين واستشهاد ثلاثة من الثوار وجرح أخر (5) ، قام الثوار بنسف سيارة عسكرية قرب فرعم وقتل وجرح من فيها (6) ، هاجم الثوار إحدى المستعمرات اليهودية بجوار حيفا وفجروا قنبلة في نابلس فقتلت أربعة من اليهود وجنديا أضافيا ودارت معركة بين البريطانيين والثوار المنطقة الشمالية واحتدمت معركة أخرى في المنطقة الجنوبية وقد اسر الجيش بعض الثوار (7) ، واتجه الثوار إلى المواصلات فأوقفوها بين فلسطين وشرق الأردن وتمكنوا من استعمال الديناميت فنسفوا جسرا قرب اربد في الوقت الذي مر عليه قطار بضاعة فسقط القطار في الوادي مع عدد من الضحايا ، وفجروا لغما تحت سيارة بوليس فجرح أربعة من ركابها ، وبلغ عدد المعتقلين في اللواء الشمالي خلال أسبوع واحد 757عربيا ( Cool

.
وفي كانون الأول 1938م هاجم الثوار دورية عسكرية في نابلس وجرحوا اثنين من رجالها ، ودارت معركة بينهم وبين الجند البريطاني في جوار قرية خزينا ، وستولى الجيش البريطاني على جثث تسعة من الشهداء في المعارك الأخيرة ، واشتعلت معركة بين الثوار والجند البريطاني وجرح فيها أربعة كونستبلا بريطانيين ، وقتل العرب يهوديا في القدس كان يحاول إلقاء قنبلة على متجر عربي ، ثم هاجم الثوار الخط الحديدي والممتلكات اليهودية في يافا وأشعلوا النار في إحدى البساتين اليهودية (9) .
وبلغ عدد الإصابات التي أصيبت خلال عام 1938م كما يلي : قتل من البوليس والجيش البريطاني 75 وجرح 215 وقتل مدنيان بريطانيان وقتل من اليهود 255 وجرح 390 ، واستشهد من العرب 503 وجرح 980 (10) . كما أن بريطانيا واليهود لم يعترفوا دائما بالأرقام الحقيقية من قتلاهم .

ولنبدأ الحديث عن ابتداء عام جديد من بطولة الشعب الفلسطيني والمجاهدين الإبطال الذين يقارعون الجيش البريطاني وعصابات اليهود ، وابتدأ عام 1939 يلتهب ويزداد لهيبها على الرغم من كثرة القوات البريطانية من جنود وطائرات حربية ودبابات ومصفحات واليات عسكرية وعصابات اليهود المسلحة بأحدث الأسلحة ، ونقص السلاح مع المجاهدين الفلسطينيين ولم يكن معهم طائرات ولا دبابات ولا أي شيء من هذه الأنواع .
وفي كانون الثاني 1939م هاجم الثوار مستعمرات رامات يوحنان الواقعة بين حيفا وشفا عمرو ، كما هاجموا بيت ياقم بالقرب من يافا ، وهاجموا أيضا كفر سيديم الواقعة شمال حيفا ، ونشبت معركة جماعة مسلحة بالقرب من بيت أمرين ، وذكر البلاغ الرسمي أن ثلاثة من العرب قد قتلوا (11)

وفي كانون الثاني 1939م دارت معركة عنيفة بين الثوار بقيادة عبد القادر الحسيني والقوات البريطانية في منطقة بني نعيم جنوب القدس أسفرت عن استشهاد اثنا عشر مناضلا وجرح ثمانية وقتل وجرح عدد من القوات البريطانية ، هاجم الثوار سيارة شحن يهودية قرب مستعمرة نهلال غرب الناصرة وقتلوا حارسين يهوديين (12) ، نشبت معركة مع المجاهدين عندما أقدم البوليس على تفتيش قرية زوتا ، ونشأت معركة أخرى بالقرب من بيت وزن ، وهاجم الثوار سيارة المفتش العام للبوليس تشارلس تيجارت فقتل مساعده ، وهاجم الثوار سجن طولكرم حيث يعتقل عديد من رفاقهم ، فتغلبوا على حراس السجن وفتحوا أبوابه فأنطلق المعتقلون إلى مواصلة الثورة ، واستمرت الأحداث دون توقف إلى اليوم الثلاثين من هذا الشهر كان قد حدثت أربع وخمسون معركة اشتركت الطائرات في اثنتين منها (13) ،
وفي شباط 1939م نشبت معركة شديدة حدثت بجوار المزرعة القبلية ، بعد أن انتهى الجيش البريطاني من تفتيش المزرعة الشرقية بين نابلس والقدس ، هاجمت القوات البريطانية قرية تمرين بعد أن حاصرتها واعتقلت سبعة من المجاهدين حينما كانوا يعقدون محاكمة ثورية ، وقابل المجاهدون هذا بهجوم عنيف شنوه على المستعمرة اليهودية في مجدل الصادق وعلى مستعمرة عين شمس بجوار مدينة اللد ، وفي خلال هذا الشهر حدثت اثنتا عشرة معركة بين الجنود والمجاهدين (14) .
وفي آذار 1939م نشبت معركة كبيرة بين عكا وصفد ، اشتركت الطائرات البريطانية فيها حيث وصفها البلاغ الرسمي بأنها كانت شديدة بين الطرفين ولم يفصح هذا البلاغ عن خسائر الجيش البريطاني ، ولكنه ذكر مقتل ثمانية عشر عربيا ، وتلت هذه المعركة معركة أخرى بالقرب من مستعمرة جبعات ، ومعركة ثالثة مع ثلاث سيارات مصفحة كانت عائدة من القدس إلى نابلس ،وكان المجاهدون قد سدوا الطريق بالحجارة ،ولما نزل الجنود البريطانيون لأزالتها فاجئوهم بإطلاق الرصاص من جانبي الطريق وقتل بريطاني (15) .

وفي آذار 1939م وخلال هذا الشهر وقعت خمس معارك كبرى وعدد من الهاجمات على المستوطنات اليهودية ، وفي هذا الشهر وقع حدثان مهمان في ثورة فلسطين ، الأول أن معركة استمرت يوما كاملا ثم استؤنفت في اليوم التالي ، وان خمسة عشر طائرة اشتركت في هذه المعركة وان إحدى تلك الطائرات كان فيها الكولونيل كريستال وأصيبت هذه الطائرة بعشرة رصاصات من الثوار وجرح الطيار كجونز ، ويفيد البلاغ الرسمي للمندوب السامي إن خمسة وأربعون عربيا قد قتلوا في هذه المعركة كما قتل ضابط بريطاني بالجيش الأردني العربي وأصيب بعض جنوده بجراح (16) ، والثاني استشهاد القائد عبد الرحيم الحاج محمد ، وفي السادس والعشرون من هذا الشهر وصل القائد الكبير عبد الرحيم الحاج محمد ومعه اثنا عشر مجاهدا قرية صانور قضاء جنين ومع فجر يوم السابع والعشرون كانت القوات البريطانية بناء على إخبارية من جاسوس تطوق قرية صانور وتقتحم البيوت وبعد معركة عنيفة تمكنت القوة البريطانية من سليمان أبو خليفة ، ثم اشتبك القائد أبو كمال القوات الكبيرة والكنه استشهد على مدخل لقرية رحمه الله (17)
عبد الرحيم الحاج محمد: سبق أن ذكرنا القائد عبد الرحيم الحاج محمد مراراً، وقد ولد في قرية ذنابة في طولكرم، وقد طلب للجندية في العهد التركي وخدم في بيروت وفي طرابلس، وكان أبوه من كبار ملاكي الأراضي في طولكرم، وقد بدأ العمل العسكري مع بداية ثورة ال36، وكان قد باع متجره في طولكرم ورصد أمواله للجهاد وشراء السلاح بعد استشهاد القسام، وقاد معارك مشرفة مثل نور شمس وبلعا الأولى، وعندما جاء الضابط اللبناني فوزي القاوقجي من العراق اتخذ عبد الرحيم الحاج محمد مساعداً ونائباً له، وخاضا عدداً من المعارك والهجمات معاً، منها معركة بلعا الثانية وجبع وبيت أمرين وكفر صور… وعندما عاد القاوقجي بعد وقف إطلاق النار الذي سمسرت فيه الأنظمة العربية، ترك عبد الرحيم الحاج محمد وكيلاً عنه. وبعد وضع جائزة على رأسه ونسف منزله في ذنابة، ذهب الحاج محمد عاماً إلى سوريا حيث حاول جاهداً إقناع المسئولين العرب بدعم الجهاد في فلسطين.

وعاد ليتابع العمل العسكري المقاوم واستمر على هذا بالرغم من تدهور على نهايتها، لكن عبد الرحيم الحاج محمد بقي مستمراً، فوجه البريطانيون قوة كبيرة لمحاصرته حيث وقعت معركة كبيرة غير متكافئة أصيب فيها إصابات بالغة أدت لاستشهاده، لكن الثوار تمكنوا من نقل جثمانه إلى قريته ذنابة بعد أيام حيث دفن.
كان عبد الرحيم الحاج محمد يوقع بياناته “المجاهد الصغير”، وإليكم عينة من أحدها:
“ليكن معلوماً للعرب أجمع في فلسطين ولجميع المجاهدين المخلصين أنه لا يحق لأي فرد أن يتعدى على الكنائس والأديرة والبطر كيات والخورة والرهبان والراهبات وقناصل الدول وما يتبعهم من رعايا أجنبية وعربية، سواء كان بجمع الأموال أو بالتعدي على حرياتهم الشخصية والدينية. فالقيادة العامة تبرأ من هذا التعدي ومن هذه الأعمال، وترجو كل أفراد الأمة العربية المحافظة بقدر المستطاع على هذه المؤسسات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المجاهد الصغير(18) .
وفي أشهر أيار وحزيران وتموز وأب 1939م دارت معارك عنيفة بين الثوار والقوات البريطانية ، كما هاجم المجاهدين المستعمرات اليهودية وسكك الحديدية ونقاط البوليس ومراكزه وكانت تتراوح بين العشرين والثلاثين هجوم ومعركة في الشهر ، أجبرت الثورة بريطانيا لإصدار الكتاب الأبيض في مايو 1939م الذي وعدت فيه باستقلال فلسطين خلال 10 سنوات وإيقاف الهجرة اليهودية بعد 5 سنوات، ووضع قيود مشددة على انتقال الأراضي لليهود، وكان ذلك أحد العوامل في تهدئة لثورة.
وبلغ عدد الضحايا في 1939م ألوف الشباب الذين استشهدوا أو جرحوا في المعارك ، وما يزيد على ثلاثمائة أعدمهم البريطانيون ، بالإضافة إلى الذين فروا من البلاد ، وسجن معظم قادة الانتفاضة الذين لم يقيض لهم الفرار أو أنهم استشهدوا ، ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939م .
، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 279
(3)جهاد شعب فلسطين : صالح مسعود ص 243-244
(4)صفد في التاريخ : محمود ألعابدي ص 155
(5) جريدة الأهرام : 3 أيلول
(4)فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 279
(5)(7)صفد في التاريخ : محمود ألعابدي ص 156
( Cool

جهاد شعب فلسطين : صالح مسعود ص 245
(9)جريدة الأهرام أعداد : 5 و8 24تشرين الثاني1938م
(10)أوابد من التاريخ : محمود ألعابدي ص 195
(11)جهاد شعب فلسطين : صالح مسعود ص 259
(12)فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 280
(13)(14)(15)جهاد شعب فلسطين : صالح مسعود ص 260-261-263
(16)جريدة الأهرام الأعداد : 13و18 و29 آذار 1939م
(17)فلسطين تاريخا ونضالا : نجيب الأحمد ص 280-281
(18) العرب اليوم، 30/5/2009 : د. إبراهيم علوش
(19) من رواد النضال في فلسطين، 1929-1948: شهداء أم ثقافة استشهاد

» الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939
» الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 - 2 -
» الثورة العربية الكبرى
» خطر اخونة القضية الفلسطينية
» المفاوضات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني